ذكره المصيبة التي أصابتهم
ثم ذكر المصيبة التي أصابتهم ، فقال : " أو لمَّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم :أنى هذا ؟ قل هو من عند أنفسكم ، إنَّ الله على كل شيء قدير " أي : إن تك قد أصابتكم مصيبة في إخوانكم بذنوبكم فقد أصبتم مثليها قبل من عدوكم ، في اليوم الذي كان قبله ببدر ، قتلاً وأسرًا ، ونسيتم معصيتكم وخلافكم عما أمركم به نبيكم صلى الله عليه وسلم ، أنتم أحللتم ذلك بأنفسكم " إن الله على كل شيء قدير " أي : إنَّ الله على ما أراد بعباده من نقمة أو عفو قدير " وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين " أي : ما أصابكم حين التقيتم أنتم وعدوكم فبإذني ، كان ذلك حين فعلتم ما فعلتم بعد أن جاءكم نصري ، وصدقتكم وعدي ، ليميز بين المؤمنين والمنافقين ، " وليعلم الذين نافقوا " منكم : أي ليظهر ما فيهم . " وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا " يعني عبدالله بن أبيّ وأصحابه الذين رجعوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى عدوه من المشركين بأحد وقولهم لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم ولدفعنا عنكم ولكَّنا لا نظن أنه يكون قتال . فأظهر منهم ما كانوا يخفون في أنفسهم . يقول الله عز وجل : " هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم " أي يظهرون لك الإيمان وليس في قلوبهم " والله أعلم بما يكتمون " أي : ما يخفون " الذين قالوا لإخوانهم " الذين أصيبوا معكم من عشائرهم وقومهم : " لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " أي : أنه لا بد من الموت ، فإن استطعتم أن تدفعوه عن أنفسكم فافعلوا ، وذلك أنهم إنما نافقوا وتركوا الجهاد في سبيل الله حرصاً على البقاء في الدنيا وفراراً من الموت .
الترغيب في الجهاد
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم، يرغب المؤمنين في الجهاد ، ويهون عليهم القتل : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألاَّ خوف عليهم ولا هم يحزنون " أي : لا تظننَّ الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً أي : قد أحييتهم فهم عندي يرزقون في روح الجنة وفضلها ، مسرورين بما آتاهم الله من فضله على جهادهم عنه ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم أي : ويسُّرون بلحوق من لحقهم من إخوانهم على ما مضوا عليهم من جهادهم ، ليشركوهم فيما هم فيه من ثواب الله الذي أعطاهم ، قد أذهب الله عنهم الخوف والحزن . يقول الله تعالى " يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين " لما عاينوا من وفاء الموعود ، وعظيم الثواب .
فضل الشهادة
قال ابن إسحاق : وحدثني إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا ، لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب ، فقال الله تعالى : فأنا أبلغهم عنكم ) فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم : هؤلاء الآيات ولا تحسبن "
قال ابن إسحاق : وحدثني الحارث بن الفضيل ، عن محمود بن لبيد الأنصاري عن ابن عباس ،أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا )
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مسعود : أنه سئل عن هؤلاء الآيات " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " فقال : أما إنَّا قد سألنا عنها فقيل لنا : إنه لما أصيب أخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظلل العرش ، فيطلع الله عز وجل عليهم اطلاعة ، فيقول : ياعبادي ما تشتهون فأزيدكم ؟ قال : فيقولون : ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا . قال : ثم يطلع الله عليهم اطلاعة ، فيقول : ياعبادي ، تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون : ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا . قال : ثم يطلع عليهم اطلاعة فيقول : يا عبادي ، ما تشتهون فأزيدكم ؟ فيقولون ربنا لا فوق ما أعطيتنا ، الجنة نأكل منها حيث شئنا ، إلا أنَّا نحب أن تردَّ أرواحنا في أجسادنا ثم نرد إلى الدنيا فنقاتل فيك ، حتى نقتل مرة أخرى "..
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا ، عن عبدالله بن محمد ابن عقيل ، قال : سمعت جابر بن عبدالله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أبشِّرك يا جابر ؟ قال : قلت : بلى يا نبي الله ، قال : إن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله عز وجل ، ثم قال له : ما تحب يا عبدالله بن عمرو أن أفعل بك ؟ قال : أي رب ، أحب أن تردني إلى الدنيا ، فأقاتل ، فيك فأقتل مرة أخرى "
قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن عبيد عن الحسن، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده ، ما من مؤمن يفارق الدنيا يحب أن يرجع إليها ساعة من نهار ، وأن له الدنيا وما فيها إلا الشهيد ، فإنه يحب ان يرد إلى الدنيا ، فيقاتل في سبيل الله ، فيقتل مرة أخرى ."
ذكر من خرجوا مع الرسول إلى حمراء الأسد
قال ابن إسحاق : ثم قال تعالى " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " أي : الجراح ، وهم المؤمنون الذين ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد ، من يوم أحد إلى حمراء الأسد على ما بهم من ألم الجراح . " للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل " والناس الذين قالوا لهم : ما قالوا للنفر من عبدالقيس ، الذين قال لهم أبو سفيان : ما قال ، قالوا : إن أبا سفيان ومن معه راجعون إليكم ، يقول الله عز وجل : " فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم " لما صرف الله عنهم من لقاء عدوهم " إنما ذلكم الشيطان " أي : لأولئك الرهط ، وما ألقى الشيطان على أفواههم " يخوف أولياءه " أي يرهبكم بأوليائه " فلا تخافوهم ، وخافون إن كنتم مؤمنين ، ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " أي : المنافقين ، " إنهم لن يضروا الله شيئاً ، يريد الله ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم ، إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئاً ولهم عذاب أليم ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب " أي : المنافقين " وما كان الله ليطلعكم على الغيب " أي فيما يريد أن يبتليكم به لتحذروا ما يدخل عليكم فيه " ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء " أي يعلمه ذلك " فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا " أي ترجعوا وتتوبوا " فلكم أجر عظيم " .